أصبح العالم قرية صغيرة تضيق بأناشيدنا الوطنية وانتماءاتنا الضيقة وألوان أعلامنا الفاقعة وحدودنا الجغرافية الموروثة، ولم يعد من العيب أبدا، هكذا يؤكد هراطقة الإعلام العرب، أن تغير ثيابك المموهة في أرض المعركة وأن تغير لون بيرقك واتجاه بندقيتك، فمن حق أي حاكم عربي أن يختار أعداءه وأن يوجه بوصلته نحو مصالح بلاده الوطنية دون اعتبار لمصالح دول الجوار.
فلماذا تثور ثائرة الإعلاميين اليوم على محمد الشوربجي لاعب السكواش المصري متهمين إياه بالخيانة لمجرد أنه قرر أن يغير لون زيه الرياضي من الأحمر القاني إلى الأزرق الفاتح؟ وهل يعد ما فعله الشاب خيانة لوطنه الأم بعد ما حقق معه وله من إنجازات؟
صار الشوربجي حديث الإعلام بعد أن خطف الأضواء 50 شهرا متتالية، احتل فيها الشاب الاسكندراني عرش اللعبة بين عامي 2014 و2021، قبل أن يزيحه مواطنه المصري على فرج عن منصة التتويج.
صحيح أن الشوربجي احتفظ بالمركز الثالث منذ أن تم إبعاده، إلا أنه قرر أن يعود مرة أخرى إلى واجهة الأحداث، لكن ليس عبر منصة التتويج هذه المرة.
فقد قرر اللاعب الشاب أن يخوض منافسات بطولة موريشيوس المقبلة، تلك البطولة الدولية التي سوف تقام منافساتها خلال الفترة من 7 إلى 11 يونيو الجاري، مرتديا الزي الإنجليزي بدلا من زيه المصري المعتاد ومنذ اتخاذه لهذا القرار غير المسبوق، لم تهدأ عاصفة الانتقادات الموجهة للاعب.
“عشت في إنجلترا أكثر من نصف حياتي وتدربت على يد مدربين بريطانيين،” يقول الشوربجي، “أنا متحمس جدا لتمثيل إنجلترا الآن. وبصفتي مواطنا بريطانيا سأقدم كل ما بوسعي لدولة لطالما دعمتني لسنوات طويلة.
” على إثر تصريحاته “المستفزة”، أعلن نادي هليوبوليس فسخ تعاقده مع اللاعب في بيان رسمي، ولم تشفع له البطولات الهامة التي حققها مع ناديه، حيث فاز ببطولة بريطانيا المفتوحة ثلاث مرات، كما تم تتويجه ثلاث مرات ببطولة أمريكا المفتوحة، كما لم يجد البطل الشاب إعلاميا واحدا يتبرع بالدفاع عن “خيانته” لزيه الوطني.
الولاء مقابل الدعم؛ هكذا يبرر محمد الشوربجي خيانته لزي وطنه الأم لكن الكثيرين من منتقديه ينظرون إليه على أنه أحد الرياضيين المرتزقة المستعدين لشطب هوياتهم وحدود بلادهم من سجلات الذاكرة مقابل حفنة من العملات الإنجليزية الصعبة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
“صحيح أن الشوربجي قضي أكثر من نصف عمره في بلاد الإنجليز، لكن من قال إن الغربة يمكن أن تكون مبررا لتغيير الانتماء؟” يستنكر منتقدوه.
فهل يعتبر محمد الشوربجي خائنا في عرف الإعلام المعاصر الذي سبق وبرر من الخيانات ما هو أشد وأقسى؟ أم أنه رياضي براجماتي بامتياز، استطاع أن ينتهز اللحظة المناسبة ليتسلق فوق ظهر الأحداث لاسيما وأنه قد تجاوز الثلاثين، وأن من حقه أن يحقق قدرا من الأمان المادي حين تهتز يده بالمضرب ويعلن اعتزاله اللعب دوليا؟ وهل تعتبر الخطوة التي أقدم عليها الشوربجي حادثة فردية مؤسفة، أم تراها ستمهد لخطوات شبيهة في مجال السكواش وغيره من الألعاب؟ وماذا لو أقدم محمد صلاح على فعلة مشابهة، هل سيظل في عيون الناس فخرا للعرب؟
هل من حق الجماهير أن تختار مصائر نجومها؟ أو أن تخرج على من قرر منهم السير في فلكه الخاص بناء على حساباته الخاصة؟ وهل يمكن وصم الشوربجي بالخيانة لمجرد أنه قرر أن يغير لون زيه الرياضي ولون علمه دون أن يسيء إلى بلد المنشأ بتصريح أو بتلميح؟ وما هي المعايير التي يتم على أساسها تصنيف الجرم، ومن المخول بتحديد تلك المعايير؟ هل تقف ثلة من الجماهير المصرية خلف الشوربجي أو تهتف باسمه حين يلعب مباراته القادمة ضد لاعب مصري كان شريكا له في المواطنة يوما؟ أم نقف جميعا ضده باعتباره خائنا لبلاده لأننا “مصابون جميعا بحمى التعصب والتصنيف والتخوين”؟ أعتقد أننا في حاجة ماسة إلى معايير دقيقة وصارمة لتحديد معايير الخيانة، لأن واقعة محمد الشوربجي لن تكون الأخيرة في ميدان الرياضة قطعا، وأخشى أن تمتد إلى ميادين أخرى غير الكرة.